تخطي للذهاب إلى المحتوى

المظلوميات التاريخية وبناء العقد الإجتماعي

21 نوفمبر 2025 بواسطة
المظلوميات التاريخية وبناء العقد الإجتماعي
أسامة الحرك
لا توجد تعليقات بعد

إحدى أكثر القضايا تعقيدآ وحساسية في بناء الدولة والمجتمع في سوريا هي كيفية تجاوز تركة الماضي المؤلم المتمثلة في المظالم والاضطهاد الطائفي لبناء مستقبل مستقر وعادل.


1_ جوهر الطرح هو المواطنة كأولوية فإن الطرح بأن العقد الاجتماعي الحقيقي يجب أن يرتكز على المواطنة بدلاً من "اكتساب الحق أو التفوق على الآخر بسبب المظلومية الطائفية" هو رؤية تأسيسية وضرورية لعدة أسباب:

_ كسر حلقة "الفعل ورد الفعل" فالاعتماد على المظلومية كمحرك رئيسي لبناء الحقوق يؤدي إلى دائرة مفرغة من الانتقام أو المطالبة بالتعويض اللامتناهي، مما يعيق الاستقرار .

_ تأسيس نظام مستدام : المواطنة المتساوية، التي تنص على أن كل فرد يمتلك نفس الحقوق والواجبات بغض النظر عن انتمائه الطائفي، هي الأساس الوحيد القادر على بناء دولة لا تتغير بتغير الظروف أو توازنات القوى.

_ الخروج من منطق الجماعات: المواطنة تنقل التركيز من حقوق الجماعة (الطائفة) إلى حقوق الفرد في إطار الدولة، مما يضعف الولاءات الفرعية ويعزز الهوية الوطنية الجامعة.

2_ تحدي التعامل مع المظلومية التاريخية :

مع ذلك لا يمكن تجاهل تأثير المظلوميات التاريخية على الواقع الحالي، هذه المظالم لا "تختفي" بمجرد إعلان مبدأ المواطنة، بل تستمر في تشكيل الوعي السياسي والاجتماعي.

_ الذاكرة الجمعية : المظالم العميقة هي جزء من الذاكرة الجمعية وتستخدم لتعبئة الأفراد، تجاهلها قد يؤدي إلى رفض العقد الاجتماعي الجديد من قبل الفئات التي تشعر أنها لم تنصف.

_ بناء الثقة : تأسيس عقد اجتماعي يتطلب ثقة بين جميع المكونات، هذه الثقة لن تتحقق دون اعتراف واضح وصريح بما حدث في الماضي، حتى لو كان الاعتراف لا يعني "التفوق".

الحل : المواطنة مع العدالة الانتقالية

يمكن التوفيق بين ضرورة المواطنة وضرورة معالجة الماضي من خلال مقاربة تجمع بينهما:

_ المبدأ التأسيسي :

الموطنةأولاً : يجب أن ينص العقد الاجتماعي بوضوح وصراحة على أن المواطنة المتساوية هي حجر الزاوية الذي لا يمكن التنازل عنه، لا امتيازات على أساس طائفي، عرقي، أو ديني.

_ الآلية التنفيذية :

العدالة الانتقالية : لتجاوز تركة الماضي وبناء الثقة، لا بد من تبني مسار للعدالة الانتقالية يشمل :

* الحقيقة : كشف الحقيقة حول الانتهاكات والمظالم التي ارتكبت بحق أي فئة.

* المساءلة : محاكمة المسؤولين عن الجرائم الجسيمة.

* الجبر والتعويض : توفير سبل لجبر ضرر الضحايا بطرق رمزية ومادية (كأن لا تكون تعويضات تؤدي إلى تفوق طائفي بل مساعدة على الدمج وإعادة بناء الحياة).

* الإصلاح المؤسسي : إصلاح الأجهزة الأمنية والقضائية والتعليمية لضمان عدم تكرار المظالم (هذا هو الضمان الحقيقي للمساواة في المستقبل).

أخيرآ :

المواطنة هي الغاية والأساس للعقد الاجتماعي السوري المستقبلي، بينما العدالة الانتقالية هي العملية والجسْر الضروري لعبور حاجز المظلوميات التاريخية والوصول إلى تلك الغاية.

شارك هذا المنشور
علامات التصنيف
الأرشيف
تسجيل الدخول حتى تترك تعليقاً