تخطي للذهاب إلى المحتوى

من الأقليات إلى حقوق الإنسان

الإنتقال الديمقراطي في سوريا والضياع الفرنسي
15 يونيو 2025 بواسطة
نسيم يازجي
لا توجد تعليقات بعد

تخطئ أي سلطة سياسية في سوريا بالتسامح وعدم الرد على أي سلوك دولي في سوريا يخرج عن أطر ومبادئ وأصول القوانين والأعراف الدولية. إن مثل هكذا تسامح قد يعرض الأمن القومي والمصلحة الوطنية والإستقرار في سوريا لأخطار وتحديات غير مبررة وغير مقبولة. لذلك يتوجب على القوى الثورية القيام بالرد والتفنيد لحماية الثورة وأهدافها والبلد وسلامته.


وجدت فرنسا نفسها خارج حسابات المنطقة بعد هزيمة حليفها ميليشيا حزب الله الشيعي في لبنان التي استماتت في حمايتها رغم تصنيف الحزب على قوائم الإرهاب في الكثير من دول العالم، وتصنيف الميليشيا عينها أوروبيا ككيان إرهابي. وبعد تحرير سوريا من النظام الإرهابي المجرم المدعوم دوليا، باتت تشاهد وتستقرئ إنتقال مستعمراتها السابقة في المنطقة إلى الضفة الأمريكية. وفي هذه اللحظة من إنعدام الوزن قام وزير خارجيتها بزيارة مؤسسة كنسية سورية وأعقبها بتصريح عن الوقوف إلى جانب المسيحيين في سوريا، مما أثار لدينا نحن المسيحيين عموما والأرثوذكس خصوصا (أول ضحايا الحروب الصليبية اللعينة الذين لم ندخر جهدا في التصدي لها تاريخيا) ذكريات الحماية الدولية لمسيحيي المشرق التي لم تنتج سوى إنقراضهم التدريجي من منطقتهم التاريخية، الذي بدأ مساره تماما بعد الحروب الصليبية التي كانوا لا يزالون يشكلون قبلها الأغلبية العددية في المنطقة.


قامت فرنسا بالإعتداء على المشروع الديمقراطي ومسار حقوق الإنسان في سوريا عبر هذه الزيارة والتصريح اللاحق لها بثلاثة طرق. أتساءل قبل تعدادها عن بواعث هذا السلوك الأرعن إن كانت متعمدة، أي يدرك وزير الخارجية الفرنسي الأذى والضرر الحاصل من سلوكه بخاصة على المسيحيين الذي ينوي حمايتهم في حين أنه بالحقيقة تسبب بأذيتهم سياسيا. أو أن هذا المسؤول الفرنسي هو حقا لا يفقه بالديمقراطية وحقوق الإنسان وهو بحاجة لأن نشرحها له. في كلتا الحالتين يشكل هذا السلوك وصمة عار لفرنسا لن تنسى وستحتاج إلى الكثير من الجهد لكي تغتفر.


أولا، بقيام المسؤول الفرنسي بإختصاص فئة دينية سورية بالزيارة وبالتصريح الحمائي المقيت هو يمارس التمييز Discrimination وهذا يشكل الإعتداء الأول على الديمقراطية في سوريا وعلى جوهر ونواة حقوق الإنسان فيها، وهما المشروطان والمحددان حكما ب”الشمولية” بحكم طبيعتهما وجوهرهما كما مورسا في العالم خلال تاريخهما، واستقر على ذلك الأساس الفكري والسياسي والحقوقي لهذه الأنظمة وتطبيقاتها في العالم الديمقراطي.


ثانيا، شكلت هذه الممارسة والتصريح الفرنسيين اعتداء على المسار الناشئ لحقوق الإنسان في سوريا عبر الإعلان السياسي بالحمائية لفئة سورية محددة تشكل أقلية عددية، وهو بذلك أعتدى أولا ضمنا على حق هذه “الأقلية” بالمواطنة المتساوية مع “الأغلبية” السورية وفق تعريفه الخاص الضمني الناشئ من تحديده لهذه “الأقلية.” ويتكمل هذا الإعتداء عندما يستغني عن حقوق الإنسان في سوريا، وهي الضامن النهائي لكل المواطنين السوريين بمعزل عن انتماءاتهم السياسية والفكرية والثقافية والدينية والإثنية اتجاه أي سلطة حاكمة، ويستبدلها بموقف سياسي لدولة أجنبية يدعي حماية تلك الفئة الدينية، وهو بالأساس غير شرعي وغير ذي صلة وفاقد الإمكانية العملية لتطبيقه وتنفيذه على أرض الواقع، ولا يترجم إلا كإعتداء على حقوق الإنسان في سوريا بجوهرها، وبكونه بالحقيقة يهدف ليكون رافعة سياسية خاصة لمصالح البلد المدعي (فرنسا) اتجاه سوريا كدولة.


ثالثا، إن إختيار وزير الخارجية الفرنسي المؤسسة الكنسية كمحل لموقفه هذا وليس دونها من مجتمع مدني أو أحزاب سياسية يستكمل رعونة هذا الموقف إلى درجة الحماقة السياسية بحكم كونها مؤسسة غير تمثيلية بالمطلق لا تمثل أحدا إلا رجال الدين الذين يديرونها كسلطة أمر واقع كانت جزءا من جسم ومنظومة الحكم للنظام الإرهابي المجرم المخلوع، تؤدي الوظائف المطلوبة منها إجتماعيا وإعلاميا لصالح هذا النظام مقابل المنفعة المادية للقيمين عليها عبر تغييب أي قانون للأموال العمومية أو أي نظام للتدقيق المالي. أضف إلى ذلك، إن إيلاج المسؤول الفرنسي المؤسسة الكنسية (أو أي مؤسسة دينية أخرى) في المسألة السياسية يشكل إعتداء على “المدنية” في سوريا كأساس للنظام السياسي فيها، وتدخلا غير مشروع في الشأن السياسي السوري لصالح دعم منظومة الحكم للنظام المخلوع.


هي فرنسا نفسها التي قسمت سوريا زمن الإنتداب بدل توحيدها وسلخت وسلمت جزء أصيل وعزيز منها إلى دولة مجاورة مقابل مكسب سياسي خاص بها، وأسست مشروع جيش الشرق باكورة الجيش المجرم الذي اقتصر تاريخه في سوريا على الإعتداءات السافرة على الديمقراطية السورية عبر الإنقلابات المتتالية، والإعتداء المستمر على حقوق وكرامة الإنسان السوري، انتهاء بقصف سوريا وشعبها وتدميرها وقتل مئات الألوف من السوريين وتهجير الملايين منهم. وهي من دعمت الرئيس المجرم المخلوع سياسيا غداة إختياره دوليا ليرث الحكم، حتى وصلت مواصيلها لتزويده بتقنيات المراقبة الإلكترونية للإنترنت قبل الثورة مثل منظومة DPI (Deep Packet Inspection).


لقد آن الأوان لفرنسا أن تعيد النظر جذريا بمنهجيتها وسياساتها اتجاه سوريا إن أرادت الحفاظ على ما تبقى من مصالح فرنسية في الشرق الأوسط وسوريا هي مفتاحه في العقود القادمة. وبالنسبة إلى باقي الدول الأوروبية وسائر القوى الدولية فإن شراكتنا معهم كثورة الحرية والكرامة والعدالة في سوريا تتأطر في الدفاع عن حقوق الإنسان السوري بما فيها المدنية والسياسية كما حددتها القوانين والمواثيق الدولية، ووحدة وسلامة الأراضي السورية ضمن حدودها المعترف عليها دوليا.


شارك هذا المنشور
علامات التصنيف
الأرشيف
تسجيل الدخول حتى تترك تعليقاً