بين الحاجة والريبة
في ظل واقع اقتصادي معقد وضاغط، تفرض فيه التحديات نفسها على يوميات المواطن السوري، برزت في الآونة الأخيرة أصوات تحذر، وأحيانًا تُخوِّن، كل مسعى اقتصادي يأتي من الخارج تحت عنوان "الاستثمار". يترافق ذلك مع موجة شعبوية تتعامل مع مصطلحات كـ "السوق الحر" أو "الخصخصة" أو "الاستثمار الخارجي" كأنها أوصاف خيانة وطنية، وليست أدوات اقتصادية شرعية تُستخدم في كل دول العالم لبناء المستقبل.
الغرض من هذا المقال ليس الدفاع عن عقود بعينها أو تبرير أي خلل سابق أو لاحق، بل هو محاولة لوضع الأمور في سياقها الصحيح، وفهم طبيعة النظام الاقتصادي العصري، وموقع سوريا في هذه المرحلة الحساسة، حيث بات الاستثمار الخارجي إحدى أهم أدوات الإنقاذ الممكنة للنهوض بالدولة والمجتمع معًا.
سنبدأ أولاً بتعريف الاستثمار الخارجي ولماذا تحتاجه الدول
في خضم الأزمات الاقتصادية التي تعصف بعدد كبير من الدول، وخصوصًا تلك الخارجة من حروب وصراعات طويلة كما هو حال سوريا، كثيرًا ما يُطرح مصطلح "الاستثمار الخارجي" في النقاشات العامة، وغالبًا ما يُستقبل بكثير من الشك أو حتى الاتهام بالخيانة و"بيع البلد". ولذلك، من المهم أن نتوقف عند هذا المفهوم الأساسي، ونفهمه كما هو، لا كما يُروّج له أو يُخوَّف منه، فالفهم الدقيق لأي مسألة هو أول طريق إلى اتخاذ موقف واعٍ ومسؤول.
ما هو الاستثمار الخارجي؟
الاستثمار الخارجي ببساطة هو عملية ضخ أموال أو موارد من طرف أجنبي (سواء كان دولة أو شركة أو فرد أو مؤسسة دولية) في بلد آخر بهدف تحقيق منفعة للطرفين. هذه المنفعة قد تكون ربحًا للطرف المستثمر، لكنها غالبًا ما تكون مشاريع تنموية أو إنتاجية للطرف المتلقي، مثل بناء منشآت صناعية، بنية تحتية، فنادق، مطارات، مستشفيات، شبكات طاقة، موانئ... وغيرها.
الاستثمار ليس تبرعًا، وليس استعمارًا، وليس قرضًا.
هو علاقة مصلحة متبادلة قائمة على اتفاقيات واضحة وشروط يتم التفاوض عليها مسبقًا وتُوقّع من قبل مؤسسات الدولة.
لماذا تحتاج الدول إلى الاستثمار الخارجي؟
السبب بسيط وواضح: لأن موارد الدولة محدودة، في حين أن حاجاتها للتنمية وإعادة الإعمار والخدمات ضخمة جدًا.
سوريا، على سبيل المثال، خارجة من أكثر من عقد من الحرب، تعاني من:
- تآكل البنية التحتية.
- انهيار القطاع الصناعي.
- هجرة الكفاءات.
- نقص حاد في السيولة والاستثمارات المحلية.
- ضغط هائل على الخدمات العامة.
في مثل هذا الواقع، من غير الواقعي أن نتوقع من الحكومة أو من القطاع العام المحلي أن يتحمل وحده كلفة إعادة الإعمار الشاملة. ولهذا يأتي الاستثمار الخارجي كأداة إنقاذ ضرورية، ليست ترفًا ولا خيارًا سياسيًا، بل ضرورة اقتصادية.
الاستثمار الخارجي عبر التاريخ: هل هو أمر جديد؟
الاستثمار الأجنبي ليس اختراعاً معاصراً، بل هو جزء من حركة الاقتصاد العالمي منذ قرون.
- في مصر: قناة السويس بُنيت برأس مال أجنبي في القرن التاسع عشر، لكنها أصبحت لاحقًا واحدة من أهم موارد السيادة الاقتصادية المصرية.
- في الصين: قبل أن تتحول إلى قوة اقتصادية، كانت الصين تستقبل الاستثمار الخارجي في "المناطق الاقتصادية الخاصة"، لتكتسب التكنولوجيا والخبرة، واليوم باتت الصين من أكبر المستثمرين في العالم.
- في دول الخليج: نهضت هذه الدول بمشاريع عملاقة مولها مستثمرون أجانب من جميع أنحاء العالم، والنتيجة اليوم اقتصاد قوي ونموذج خدماتي متقدم.
لكن… أليس الاستثمار بيعاً للبلد؟
هذا من أكثر المفاهيم المغلوطة شيوعًا. الاستثمار لا يعني بيع أصول الدولة، بل يعني أن الدولة تسمح لشركة أو جهة معينة بتطوير مورد أو خدمة أو مشروع ضمن شروط واضحة ولمدة زمنية محددة، وبعدها تعود ملكية المشروع أو الربح الصافي للدولة.
من يبيع البلد هو من يوقّع اتفاقًا فاسدًا أو غير شفاف، أو من يفرّط بحقوق الأجيال، وليس من يفتح المجال لشراكة مسؤولة تُنظم بعقود واضحة وتحت رقابة القانون والمجتمع.
أنواع الاستثمارات الخارجية
يمكن تصنيف الاستثمارات الخارجية إلى أنواع عدة:
- الاستثمار
المباشر (FDI):
مثل أن تقوم شركة أجنبية ببناء مصنع أو فندق أو مزرعة طاقة داخل سوريا وتوظف عمالاً محليين وتشارك الحكومة بالعائدات. - الاستثمار
التشاركي أو عبر العقود (مثل BOT):
وهذا ما سنتحدث عنه في القسم التالي بالتفصيل، حيث يُبنى المشروع، يُشغَّل من المستثمر لفترة معينة، ثم يُنقل بالكامل للدولة. - الاستثمار
في الأسواق (المالية – المصرفية – العقارية):
مثل شراء أسهم في بنوك أو شركات أو التطوير العقاري أو حتى تمويل مشاريع ريادية محلية.
كل نوع من هذه الأنواع له ضوابط مختلفة، ومخاطر مختلفة، وعوائد مختلفة، ولكن القاسم المشترك بينها أنها تساهم في ضخ السيولة، وخلق فرص العمل، وتوفير الخدمات، وتحريك عجلة الاقتصاد.
من يستفيد من الاستثمار الخارجي؟
هناك ثلاثة أطراف تستفيد عادة من الاستثمار الخارجي:
- الدولة: من خلال توفير بنى تحتية ومشاريع لا تستطيع تمويلها حاليًا، وتحصيل الضرائب والعائدات لاحقًا.
- المجتمع: من خلال خلق فرص العمل، وتحسين نوعية الخدمات، وتخفيض الضغط على الموازنة العامة.
- المستثمر: من خلال الحصول على ربح من مشروع ناجح، وهذا طبيعي في أي عملية تجارية.
لكن الأهم أن تكون العقود:
- شفافة.
- خاضعة للرقابة.
- متوازنة بحيث لا يتم استغلال ضعف الدولة أو الفوضى القانونية.
الاستثمار الخارجي ليس نقيضًا للسيادة… بل حماية لها
السيادة الوطنية لا تُقاس برفض المستثمرين، بل بقدرة الدولة على وضع شروط عادلة ووطنية لأي استثمار، واسترداد كامل حقوقها في الوقت المناسب. إن الاقتصاد المعزول المنغلق لا يحمي البلد، بل يجعله هشًا وعاجزًا عن مواجهة الأزمات.
وفي الحالة السورية، الاستثمار الخارجي المدروس قد يكون طوق النجاة الوحيد المتاح، في ظل العقوبات، والنقص في السيولة، وتدمير القطاعات الإنتاجية.
نظام BOT (بي أو تي) شراكة لا بيع
بعد أن أوضحنا مفهوم الاستثمار الخارجي وأهميته، من الضروري التوقف عند أحد أكثر النماذج شيوعًا وفعالية في تنفيذ مشاريع البنية التحتية والخدمات الكبرى، وهو نموذج BOT، الذي كثيرًا ما يُساء فهمه أو يُشوَّه عن قصد، ويُقدَّم على أنه "بيع للمرافق العامة" أو "تسليم لمقدرات الدولة"، في حين أن الحقيقة بعيدة تمامًا عن هذه الصورة السوداوية.
ماذا يعني BOT؟
كلمة BOT هي اختصار لعبارة Build - Operate - Transfer، أي:
- بناء (Build): يقوم المستثمر بتمويل وبناء مشروع معين (مثلاً مطار، طريق سريع، محطة كهرباء، مستشفى...).
- تشغيل (Operate): يدير المشروع لفترة زمنية محددة متفق عليها في العقد (غالبًا بين 10 إلى 30 سنة)، يحق له خلالها استرداد تكاليفه وتحقيق أرباحه.
- نقل (Transfer): بعد انتهاء مدة العقد، تنتقل ملكية المشروع بالكامل إلى الدولة دون أي مقابل.
نحن هنا أمام نموذج تعاقدي مؤقت ومنظم، لا بيع فيه ولا خصخصة دائمة. بل هو أقرب إلى عقد إيجار طويل الأمد يُتيح للدولة الحصول على خدمة أو منشأة حديثة دون أن تدفع تكلفة بنائها مباشرة من ميزانيتها المثقلة أصلاً.
لماذا تستخدم الدول نظام BOT؟
نظام BOT ظهر وتوسع عالميًا بعد الثمانينيات، عندما بدأت الدول – حتى الغنية منها – تواجه تحديات في تمويل مشاريع البنية التحتية الضخمة دون إرهاق خزائنها أو زيادة الديون العامة. وفي الدول الخارجة من حروب أو أزمات – كما في حالة سوريا – يصبح هذا النظام أحد الحلول الذكية لإعادة الإعمار وتوفير الخدمات دون انتظار معجزات الموازنة العامة.
أمثلة عالمية:
- تركيا أنشأت العديد من مطاراتها وشبكات طرقها عبر BOT.
- مصر طورت محطات كهرباء ضخمة بنفس النظام.
- الهند أنشأت مئات الكيلومترات من الطرق السريعة عبر مستثمرين بنظام BOT.
- الأردن أنجز مشروع مياه الديسي بنفس النموذج.
كيف تستفيد الدولة من مشروع BOT؟
- تحصل الدولة على بنية تحتية متطورة دون أن تتحمل تكاليف إنشائها مباشرة.
- خلال فترة التشغيل، تحصل على نسبة من الأرباح أو رسوم الامتياز.
- بعد انتهاء العقد، تؤول ملكية المشروع بالكامل للدولة، مجهزًا ومشغَّلًا وكاملًا.
- يضمن هذا النموذج تحويل المخاطر المالية والفنية إلى المستثمر، مما يحمي الدولة من الخسائر.
مثال مبسّط:
إذا كانت الدولة بحاجة إلى بناء مطار جديد بكلفة 500 مليون دولار، لكنها لا تملك السيولة، فيمكن أن تتعاقد مع شركة دولية ببناء المطار وتشغيله 20 عامًا، ثم استرداده مجانًا. خلال هذه السنوات، تعمل الدولة على تنظيم الحركة الجوية، الرقابة، الأمن، وتحصل على ضرائب ورسوم، بينما تدير الشركة الخدمات التشغيلية للمطار.
هل يعني ذلك أن الدولة تتخلى عن سيادتها أو تبيع المرفق؟
الإجابة القاطعة: لا.
الدولة تضع الشروط، تحدد الأسعار أو سقفها، تراقب التنفيذ، وتحتفظ بسلطتها الكاملة على المشروع من حيث التوجيه والإشراف، مثل:
- فرض شروط بيئية.
- تحديد معايير الجودة.
- تنظيم عمل الموظفين.
- مراقبة الأسعار ومنع الاحتكار.
- إنهاء العقد في حال حدوث خروقات كبرى.
بل إن بعض العقود تتضمن بندًا يُعرف بـ "نقل الملكية المبكر"، أي أن الدولة تحتفظ بحق استرداد المشروع قبل نهاية المدة، في حال ظهور مصلحة وطنية حيوية، مقابل تعويض متفق عليه مسبقًا.
من أين يأتي الربح للمستثمر؟ وهل هذا طبيعي؟
نعم، المستثمر يحصل على ربح، وهذا أمر طبيعي، لأن:
- هو من موّل المشروع.
- هو من تحمّل المخاطر.
- هو من التزم بتشغيل المشروع وتطويره.
لكنه في المقابل:
- لا يملك المشروع.
- لا يتحكم وحده بالأسعار.
- لا يمكنه التمديد تلقائيًا.
- ولا يحق له نقل الملكية أو بيع المشروع لجهة ثالثة دون موافقة الدولة.
وبذلك، نحصل على شراكة ذكية تُراعي مصلحة الدولة دون أن تُرهق موازنتها أو تُجبرها على الاقتراض الخارجي.
ما الذي يجعل BOT خيارًا مناسبًا لسوريا الآن؟
في الحالة السورية، نحن أمام بنية مدمّرة، موازنة منهكة، وعقوبات خانقة. وفي الوقت نفسه، هناك حاجات ضخمة في كل القطاعات:
- مياه، كهرباء، طاقة بديلة.
- مستشفيات ومراكز صحية.
- مرافئ، مطارات، طرق سريعة.
- قطاعات خدمية كالنقل والاتصالات والسياحة.
من الصعب – بل من المستحيل – أن نعيد إعمار كل ذلك عبر موازنة الدولة أو القروض التي ستثقل كاهل الأجيال القادمة. لذلك، فإن نموذج BOT هو بوابة إنقاذ واقعية وعملية، خاصة إذا ترافق مع:
- شفافية في العقود.
- رقابة شعبية ومؤسساتية.
- مشاركة المجتمع المدني في مراقبة الأداء.
كلمة أخيرة: BOT ليس خصخصة، وليس بيعاً، وليس مؤامرة
الذين يروجون لفكرة أن BOT هو بيع للبلد، إما يجهلون جوهر النموذج، أو يوظفون هذا الجهل لأغراض سياسية وشعبوية قصيرة الأمد.
نحن بحاجة لقراءة اقتصادية متوازنة، تنطلق من حاجات الناس الفعلية، وتضع مصلحة الوطن فوق كل شعارات التخوين والتشكيك.
نظام BOT هو جسر بين ضعف الإمكانيات وقوة الطموح، وهو فرصة إذا أُحسن استغلالها، وخطر إذا فُسدت شروطها.
الاستثمار الخارجي في سوريا: فرصة للنهوض لا للتفريط
بعد أكثر من عقد من الحرب والدمار، تبدو سوريا وكأنها خارجة من زلزال اقتصادي واجتماعي عميق. لا تكاد توجد محافظة واحدة لم تُمس بنيتها التحتية، ولا قطاع لم يفقد جزءًا من طاقته التشغيلية أو الكادر البشري الذي ينهض به. وفي ظل هذه الظروف القاسية، لم تعد الحلول التقليدية – كالاعتماد على الدولة فقط أو المساعدات الدولية المحدودة – كافية أو قابلة للاستمرار. من هنا، يصبح الاستثمار الخارجي ليس فقط خيارًا، بل أحد أدوات البقاء والنهوض في المدى القريب والمتوسط.
لمحة عن الوضع الاقتصادي السوري الحالي
لن نستعرض الأرقام الكاملة، لكن يكفي أن نشير إلى:
- معدلات بطالة عالية
- انهيار كبير في الخدمات العامة (كهرباء، مياه، نقل...).
- تراجع القيمة الشرائية لليرة السورية.
- خروج الكثير من المنشآت الصناعية عن الخدمة.
- انخفاض كبير في الإنتاج الزراعي.
ومع انسداد القنوات التمويلية الرسمية – سواء عبر القروض الخارجية أو المساعدات الأممية – يصبح فتح الباب للاستثمار الخارجي ضرورة وطنية ملحّة.
ما هي الفرص المتاحة فعليًا في سوريا؟
رغم صعوبة المرحلة، إلا أن سوريا لا تزال تملك عددًا من المقوّمات التي تجعلها بيئة استثمارية جذابة إذا توفرت الضمانات:
- موقع استراتيجي: يربط بين آسيا وأوروبا، وله منافذ بحرية وبرية حيوية.
- موارد طبيعية غير مستثمرة بالكامل: طاقة شمسية، غاز، فوسفات، زراعة واسعة.
- رأسمال بشري كفوء: رغم الهجرة، ما زال هناك آلاف من الكفاءات في الداخل والشتات مستعدة للمساهمة في إعادة الإعمار.
- سوق استهلاكية محلية بحجم ملايين السكان: خاصة في قطاعات الصحة، الغذاء، الإسكان، الطاقة.
كيف يساهم الاستثمار الخارجي في تنشيط الاقتصاد المحلي؟
- ضخ سيولة مالية جديدة في السوق بدل الاعتماد على طباعة النقود أو الاقتراض.
- تحريك عجلة القطاعات المعطلة مثل البناء، الزراعة، الصناعة.
- خلق فرص عمل حقيقية ومستدامة للسوريين داخل بلادهم، بدل دفعهم للهجرة أو البطالة القسرية.
- نقل المعرفة والتكنولوجيا، خاصة في القطاعات الحيوية مثل الطاقة المتجددة والمياه والنقل.
- تحفيز المستثمر المحلي عبر خلق بيئة منافسة وتحسين شروط العمل.
مثال تطبيقي:
إذا تم إنشاء محطة طاقة شمسية عبر استثمار أجنبي في ريف حمص، فهذا المشروع سيوظّف عشرات العمال، ويوفّر طاقة نظيفة لمناطق واسعة، ويخفف الضغط على الشبكة العامة، ويُجنّب الدولة نفقات تشغيل طويلة المدى. كل ذلك من دون أن تدفع الدولة قرشًا واحدًا في البداية.
لماذا لا يجب الخوف من "السيطرة الأجنبية"؟
هذه إحدى أكثر المخاوف شيوعًا، خاصة بعد سنوات من الصراع والاضطرابات السياسية. ولكن الحقيقة أن كل استثمار خارجي خاضع في النهاية لـ:
- عقد رسمي موقّع مع الدولة السورية.
- رقابة قانونية وتشريعية محلية.
- أطر زمنية محددة ومعايير تشغيلية واضحة.
ثم إن هناك فرقًا كبيرًا بين:
- الاستثمار بهدف التنمية والتشغيل.
- وبين النفوذ السياسي والعسكري.
والمشكلة ليست في جنسية المستثمر، بل في شروط التعاقد والحوكمة. فحتى المستثمر المحلي قد يستغل الدولة إذا غابت الرقابة والشفافية.
كيف نحمي الاستثمار ليخدم الدولة لا أن يستغلها؟
بكل بساطة عبر:
- كتابة عقود واضحة وشفافة تُعرض حتى للرأي العام أو الهيئات التشريعية.
- تضمين بنود حماية وطنية (مثل نسب العمالة السورية، استخدام المورد المحلي، إعادة الملكية، تسعير عادل...).
- إنشاء هيئة مستقلة لمراقبة الاستثمارات الكبرى، تضمن ألا يتحول أي مشروع إلى احتكار أو أداة نفوذ غير مشروع.
- إشراك القطاع العام والمجتمع المدني في التقييم والرصد، لأن الشفافية لا تُفرض من الأعلى فقط، بل تبنى من الرقابة المجتمعية أيضًا.
لماذا يُهاجم الاستثمار في سوريا؟
الأسباب متعددة:
- الجهل العام بالمفاهيم الاقتصادية، نتيجة سنوات من الانغلاق والتعليم الموجه.
- الذاكرة السلبية للناس من بعض مشاريع الفساد والخصخصة في الماضي، والتي تم تنفيذها باسم "الإصلاح" لكنها كانت مجرد نهب منظم.
- الاستثمار كمادة دعائية للمزايدات السياسية، إذ تلجأ بعض الأصوات إلى دغدغة المشاعر الوطنية عبر تصوير أي تعاون اقتصادي على أنه "خيانة" أو "تفريط".
لكن التحدي اليوم هو كسر هذه الصورة، وتقديم رؤية وطنية تقول للناس:
"نحن لا نبيع الوطن… بل نعيد بناءه بالشراكة، وبالكرامة، وبالذكاء الاقتصادي."
الاقتصاد المنفتح: السوق الحر والتنمية المتوازنة
إذا كان الاستثمار الخارجي أداة للنهوض، فإن البيئة التي يحتضن فيها هذا الاستثمار تُعد الأساس الذي يحدد نجاحه من فشله. وهنا نأتي إلى واحدة من أكثر المفاهيم الاقتصادية التي ما زالت تُفهم في سوريا – للأسف – بطريقة مشوهة أو أحادية: الاقتصاد المنفتح والسوق الحر.
في العقل الجمعي السوري، كثيرًا ما ارتبطت هذه المصطلحات إما بالليبرالية المتوحشة التي تُجرد الدولة من دورها وتحوّل المواطن إلى مستهلك عاجز، أو بـ"خصخصة كل شيء" و"بيع البلد للأغنياء". لكن الحقيقة مختلفة تمامًا، ومليئة بالأمثلة التي تؤكد أن السوق المنظم والمنفتح يمكن أن يكون الحاضن الأقوى للعدالة والتنمية معًا إذا أُحسن تنظيمه وتوجيهه.
ما هو الاقتصاد المنفتح؟ ولماذا نحتاجه اليوم؟
الاقتصاد المنفتح ببساطة هو نظام اقتصادي يسمح بتنوع الفاعلين في السوق، حيث لا تملك الدولة وحدها كل شيء، بل يكون هناك:
- قطاع خاص قوي ومنتج.
- قطاع عام منظم وفعال.
- قطاع تعاوني ومجتمعي.
- آليات لتنظيم العلاقة بين هذه الأطراف بشكل يضمن مصلحة المواطن لا مصالح القلة.
هذا لا يعني أن السوق بلا ضوابط، ولا يعني إطلاق الأسعار والخدمات دون رقابة، بل على العكس، الاقتصاد المنفتح بحاجة إلى:
- مؤسسات رقابية قوية.
- جهاز قضائي عادل.
- شفافية في التعاقدات والمشاريع.
- محاربة للاحتكار والفساد.
ما هو السوق الحر؟ وهل هو فوضى اقتصادية؟
السوق الحر لا يعني أن يُترك كل شيء للعشوائية أو لجشع الشركات، بل يعني أن تُتاح الفرصة لكل من يريد الإنتاج أو الاستثمار أو المبادرة، دون أن يكون مضطرًا للانتماء السياسي أو للفساد حتى يُنجز مشروعًا أو يحصل على رخصة.
في السوق الحر:
- الدولة لا تبيع كل شيء، لكنها لا تحتكر كل شيء أيضًا.
- القطاع العام لا يُلغى، لكنه يُعاد تعريفه ليصبح أكثر كفاءة وخدمة.
- الأسعار لا تُترك للعبث، بل تُراقب بما يحقق التوازن بين مصلحة المنتج والمستهلك.
وهذا النموذج نجح في دول مثل:
- تونس والمغرب في شمال إفريقيا.
- إندونيسيا وماليزيا في آسيا.
- البرازيل وتشيلي في أميركا اللاتينية.
كلها دول اختارت أن تفتح أسواقها أمام الشراكات والاستثمارات، دون أن تتخلى عن دور الدولة في الرعاية والتنظيم.
الاقتصاد المنفتح ليس خصخصة كاملة... بل شراكة عقلانية
من أكبر الأخطاء في النقاش السوري الحالي هو الخلط بين السوق الحر والخصخصة الكاملة.
الخصخصة تعني بيع الدولة لأصولها وإخراج نفسها من القطاعات الإنتاجية أو الخدمية، وغالبًا ما يتم ذلك في ظروف سياسية فاسدة تؤدي إلى تركز الثروة والاحتكار.
لكن الاقتصاد المنفتح لا يعني ذلك إطلاقًا، بل هو نظام:
- يسمح بمشاركة القطاع الخاص في الخدمات.
- يشجع الشراكة بين القطاعين (Public-Private Partnerships).
- يُخضع الجميع للرقابة والمحاسبة.
- يحمي المواطن من التغوّل، ويحمي الدولة من العجز.
دور القطاع العام في السوق الحر: من الخصم إلى الحاضن
بدل أن ننظر للقطاع العام كجسم مترهل أو كمنافس للقطاع الخاص، من الأجدر أن نُعيد تعريفه ليصبح:
- منظّمًا للسوق، يضع القوانين والسياسات.
- راعيًا للفئات الأضعف، من خلال دعم محدود وذكي للخدمات الأساسية.
- منافسًا شريفًا، في بعض القطاعات الاستراتيجية التي تحتاجها الدولة مثل النقل أو الطاقة.
- مُراقبًا قويًا، يمنع الاحتكار، ويضبط الأسواق، ويضمن العدالة الاجتماعية.
وبالتالي، يصبح القطاع العام ضمانة وطنية وليس عبئًا، وحاضنًا للاقتصاد الحر، لا عدوًا له.
أثر الاقتصاد المنفتح على الخدمات وفرص العمل
في الاقتصاد المغلق، غالبًا ما تكون الخدمات بطيئة، ومركزية، ومكلفة، ونادرة.
في الاقتصاد المنفتح، الخدمات تتحسن لأن:
- التنافس يدفع الشركات لتقديم جودة أعلى.
- وجود خيارات متعددة يمنح المستهلك حرية القرار.
- القطاع الخاص يستثمر في التقنيات الحديثة لتقليل التكلفة ورفع الكفاءة.
- الدولة تستفيد من الضرائب ورسوم التشغيل دون أن تتحمل العبء الكامل للخدمة.
أما على مستوى فرص العمل، فإن:
- كل مشروع خاص هو فرصة عمل جديدة.
- كل منشأة جديدة تعني سلسلة من الخدمات المرافقة (توصيل، صيانة، تسويق...).
- كل استثمار خارجي يستدعي تدريب وتأهيل، ما يعني تطوير المهارات المحلية.
لكن… كيف نحمي الناس من "جشع السوق"؟
الجواب ليس بإغلاق السوق، بل بتنظيمه.
وهنا يأتي دور ما يُعرف بـ"الضوابط الاجتماعية للسوق"، مثل:
- تحديد أسعار أساسية لبعض الخدمات (كهرباء، ماء، مواصلات...).
- منع الاحتكار.
- فرض ضريبة تصاعدية على الأرباح الكبيرة.
- توجيه الدعم للفئات الأكثر حاجة.
- وضع قوانين عمل تحمي العمال.
بهذه الآليات، يمكن للسوق أن يعمل بحرية، دون أن يتحول إلى وحش يلتهم الناس.
ويتحول الاقتصاد المنفتح إلى أداة للعدالة والكرامة، لا أداة للإفقار.
القطاع العام: الحاضن والمراقب لا المنافس
في كل تجربة اقتصادية ناجحة عبر التاريخ، بقيت الدولة تلعب دورًا محوريًا في تنظيم السوق، ورعاية الفئات الأضعف، وتثبيت التوازن بين الربح الاقتصادي والعدالة الاجتماعية. وفي الحالة السورية، فإن القطاع العام لا يزال يُشكّل العمود الفقري للمجتمع، رغم ما أصابه من ضعف وتراجع خلال العقود الماضية.
ومع الانتقال نحو اقتصاد منفتح واستقطاب الاستثمارات، يصبح من الضروري إعادة تعريف دور القطاع العام، لا القضاء عليه، بل تأهيله ليصبح أكثر فاعلية في بيئة متجددة.
القطاع العام ليس شركة… بل مسؤولية وطنية
عندما نتحدث عن القطاع العام، فنحن لا نقصد فقط المؤسسات الاقتصادية التي تملكها الدولة، بل:
- المدارس والمشافي والمواصلات العامة.
- البلديات والخدمات الاجتماعية.
- الإدارات المحلية.
- منظومة الضمان الاجتماعي والتأمين الصحي.
هذه كلها أدوات للدولة تمكّنها من رعاية المجتمع وتنظيم السوق، حتى في ظل وجود منافسة من القطاع الخاص أو حضور لاستثمارات خارجية.
الخلل لا يكمن في وجود القطاع العام، بل في ضعف إدارته أو تسييسه أو تفشي الفساد داخله. ولذلك فإن تطويره هو جزء من مشروع الإصلاح، وليس تجاوزًا له.
كيف يكون القطاع العام حاضنًا وليس منافسًا؟
- بوضع السياسات الاقتصادية العادلة:
- تحديد أولويات التنمية.
- صياغة التشريعات التي تضمن العدالة.
- دعم المبادرات الإنتاجية الوطنية.
- بمراقبة السوق وتنظيمه:
- حماية المستهلك من الجشع والاحتكار.
- ضبط الأسعار الاستراتيجية.
- فرض ضرائب عادلة على النشاطات الكبرى.
- بخلق بيئة عمل متوازنة:
- توفير فرص توظيف مستقرة في القطاعات الحساسة (تعليم، صحة، أمن غذائي).
- تسهيل المشاريع الصغيرة والمتوسطة، لا خنقها.
- ربط التدريب والتعليم باحتياجات السوق.
- ببناء شراكات ذكية مع القطاع الخاص:
- مثل مشاريع BOT التي تم شرحها.
- أو عقود التشغيل المشتركة للمرافئ أو محطات الكهرباء.
- أو دعم الاستثمار المحلي بالأراضي أو البنية التحتية.
الخصخصة ليست الحل… ولا القطاع العام وحده كافٍ
في التسعينات، خاضت عدة دول تجارب خصخصة سريعة وفوضوية، انتهت بتحويل الثروات الوطنية إلى أيدي قلة من النافذين. وفي المقابل، فشلت دول أخرى كانت ترى في القطاع العام المنقذ الأوحد، فغرقت في البيروقراطية والفساد وانهيار الإنتاج.
الحل ليس في المفاضلة بين "القطاع العام" و"القطاع الخاص"، بل في إيجاد صيغة شراكة عقلانية تضع مصلحة المواطن في المركز.
إصلاح القطاع العام ضرورة وليس خياراً
حتى يكون القطاع العام ضامنًا حقيقيًا للعدالة والتنمية، يجب أن يُعاد بناؤه وفق المبادئ التالية:
- الكفاءة: موظف محترف، إدارة ذكية، أنظمة مرنة.
- النزاهة: محاربة الفساد بكل أشكاله، من التوظيف إلى التعاقدات.
- المرونة: الانتقال من المركزية الخانقة إلى اللامركزية الذكية.
- المحاسبة: تقييم دوري للأداء، ومساءلة شفافة للمسؤولين.
تطوير القطاع العام لا يعني تفكيكه، بل تحريره من التشوهات التي جعلته عبئًا بدل أن يكون رافعة.
الدولة القوية ليست التي تملك كل شيء… بل التي تعرف كيف تُنظّم كل شيء
قوة الدولة لا تُقاس بعدد الشركات التي تديرها، بل بمدى قدرتها على حماية مواطنيها وتنظيم الحياة الاقتصادية والاجتماعية بعدالة.
الدولة القوية هي التي:
- تراقب السوق، ولا تتحكم فيه.
- تشجع الابتكار، دون أن تتخلى عن واجبها تجاه الفقراء.
- تبني شراكات مع الداخل والخارج، دون أن تفرّط في السيادة.
- تُنظّم الاستثمار، ولا تتركه ينهش الاقتصاد باسم الربح السريع.
في سوريا، حيث يعاني المواطن من أزمات متراكمة، لا بد من قطاع عام جديد، لا يُشغَّل لمصلحة النخب، بل يُدار لخدمة الناس، ويُنسَّق مع القطاع الخاص بدل أن يتصارع معه.
رسالة إلى الأصوات الرافضة: من حقكم أن تخافوا… لكن ليس من الاستثمار
لا يمكن لأي مشروع وطني حقيقي أن يُبنى على إنكار المخاوف الشعبية أو تجاهل الأسئلة الصعبة التي تراود الناس، خصوصًا في بلدٍ كُسر فيه كل شيء تقريبًا على مدى أكثر من عقد: الثقة، المؤسسات، الأحلام، وحتى اللغة المشتركة بين الدولة والمجتمع.
اليوم، ومع عودة الحديث عن الاستثمارات والمشاريع والشراكات، تظهر أصوات كثيرة تقول:
"ألا يكفينا ما حصل؟"
"أليس هذا بيعًا جديدًا للبلد؟"
"من يضمن أن لا تذهب هذه المشاريع إلى الفاسدين؟"
وهي أسئلة مشروعة، بل واجبة، إذا أُطلقت بنيّة الإصلاح لا التخريب.
نعم، الخوف مشروع… لكن التعميم خطأ
الناس تخاف لأنهم جُرّبوا من قبل، وتعرضوا للخذلان. ولأن كلمة "استثمار" في ذاكرتهم ارتبطت بصفقات فاسدة، واحتكارات أنهكتهم، ومشاريع "عائلية" قُدّمت باسم التنمية. ولذلك فإن الخوف من التكرار مفهوم.
لكن الخوف لا يجب أن يتحوّل إلى شلل ورفض لكل شيء.
ولا يجوز أن نخلط بين:
- الاستثمار الخارجي المدروس بعقد شفاف،
- وبين تفويت الأصول العامة بصفقات تحت الطاولة.
ولا بين:
- شراكة مع شركة عالمية لبناء محطة كهرباء،
- وبين نهب مرفق عام وتسليمه لمجموعة نافذين.
من يرفض الاستثمار… ما البديل الذي يطرحه؟
رفض الاستثمار الخارجي دون تقديم بديل حقيقي يعكس أحيانًا موقفًا شعبويًا لا يُبنى عليه مشروع دولة.
- هل لدينا تمويل داخلي كافٍ؟
- هل يمكننا أن ننتظر عشرات السنوات لإعادة بناء ما هُدم؟
- هل المطلوب أن تبقى مؤسساتنا متهالكة وخدماتنا متردية بحجة "عدم التفريط"؟
الحكمة تقول: نفتح أبواب الشراكة… ولكن نُبقي المفاتيح بيد الدولة والمجتمع.
لا نريد دولة متسوّلة… نريد دولة قادرة
الاستثمار الخارجي إذا تم بشفافية وعدالة، ليس خيانة، بل شجاعة اقتصادية.
والدولة القوية لا تعني الدولة التي ترفض كل دعم أو تعاون، بل الدولة التي:
- تفاوض بشرف،
- تُنظّم بقوة،
- وتُراقب بعدالة.
إن المشروع الوطني ليس شعارًا، بل مجموعة قرارات شجاعة – سياسية واقتصادية – تُعيد بناء الثقة وتضع حجر الأساس لسوريا القادرة.
دعونا نعيد تعريف السيادة… ببعدها الواقعي
السيادة ليست أن نقول "لا" لكل شيء، بل أن نملك القدرة على الاختيار الصحيح، ووضع الشروط المناسبة، وتحقيق المصلحة العامة دون خضوع أو إذلال.
وفي هذا السياق، الاستثمار الخارجي ليس انتقاصًا من السيادة، بل جزء من أدوات تمكينها، إذا أُحسن استخدامه.
الخوف الحقيقي يجب أن يكون من الجمود… لا من الشراكة
في ظل ما نعيشه اليوم، أكبر خطر على سوريا ليس "المستثمر الأجنبي"، بل:
- الانهيار الاقتصادي الكامل.
- تآكل مؤسسات الدولة.
- تراجع الخدمات.
- هجرة العقول.
- تجذّر الفقر واليأس.
وهنا تصبح الشراكة مع الداخل والخارج، والاستثمار بالطاقات الوطنية والدولية، ضرورة أخلاقية وإنسانية قبل أن تكون اقتصادية.
الاستثمار شراكة وطنية... لا تفريط في السيادة
في طريق الخروج من الأزمة، لا يكفي أن نندد بالواقع أو نكتفي بتوصيف الانهيار، بل علينا أن نمتلك شجاعة التفكير العملي ومسؤولية الفعل الوطني. وفي صميم هذا الفعل، تأتي الاستثمارات الخارجية، والاقتصاد المنفتح، والشراكات المتوازنة كأدوات ضرورية لإعادة البناء – ليس فقط البناء الإسمنتي، بل أيضًا بناء الثقة، والمؤسسات، والحياة الكريمة.
لقد حاول هذا المقال أن يفكك الغشاوة المحيطة بمفاهيم الاستثمار الخارجي ونظام BOT والسوق الحر، ويعيد تقديمها للشارع السوري كفرص لا كتهديدات، وكأدوات للتعافي لا كوسائل للنهب، بشرط أن تُدار بعقل الدولة، ورقابة الشعب، وبمنظومة قانون واضحة وشفافة.
إن الخوف من التلاعب مشروع، لكن الخوف من النهوض خطأ.
وإن القلق من الخصخصة المفترسة مفهوم، لكن الخلط بينها وبين الاستثمار التنموي العادل يُفقدنا بوصلتنا في لحظة نحن بأمسّ الحاجة فيها إلى الوضوح والشجاعة والتخطيط السليم.
لسنا أمام خيار بين السيادة والتنمية، بل أمام فرصة لربط السيادة بالقدرة، والاستقلال بالإنجاز، والانتماء بالعمل الجاد.
فالبلد الذي لا يملك رفاهية الانتظار، ولا يحتمل المزيد من الجمود، يجب أن يتحرك – لا على وقع الهتاف أو التخوين – بل على إيقاع الرؤية الاقتصادية الواقعية، والقرار الوطني المسؤول.
إننا اليوم لا نبني اقتصاداً فقط، بل نعيد تعريف العلاقة بين الدولة والمجتمع، بين الثقة والخبرة، بين الموارد والطموح.
وسوريا التي نطمح إليها لن تُبنى بالشعارات، بل بالمشاريع، بالعقود العادلة، بالفرص التي تُمنح لمواطنيها قبل غيرهم، وبالأبواب التي تُفتح على العالم دون أن تفرّط بحقّ واحد من أبنائها.